إصلاح التعليم وتحسينه في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا: السيناريوهات والآفاق المستقبليّة للشباب بقلم الدكتور فيليب باول-دايفيس – مستشار التنمية التعليميّة والإجتماعيّة.

يتزايد عدد الشباب الذين لا يتوفّر لهم التعليم المتساوي في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا. كما أنّهم يتخرّجون من أنظمة تعليمٍ لا تؤّمن لهم أيّ فرص توظيف، وذلك نتيجة التعليم الضعيف المستوى والمناهج القديمة والنثص في المهارات العمليّة الشخصيّة والتقنيّة.

وهناك دلائل كثيرة موثّقة تظهر ضعف الأنظمة التعليميّة في العديد من بلدان المنطقة: نسب الأميّة المرتفعة؛ المعلّمون غير المحفزين الذين لا يتمتّعون بالتدريب المناسب؛ الإتّكال الزائد على التلقين والحفظ؛ انخفاض نسبة الطلاب الملتحين بالتعليم الثانوي أو العالي؛ إرتفاع نسبة الطلاب الذين يتركون الدراسة وارتفاع نسبة البطالة.

تعاني الأنظمة التعليميّة الأمرّين في جذب طاقمٍ تعليميّ مؤهّل والحفاظ عليه، وفي استخدام أصول التدريس القديمة ونماذج التعلّم التقليديّة، الأمر الذي يحول دون إعداد الطلاب للعمل في الإقتصادات الحديثة المبنيّة على المعرفة.

 وتنطوي هذه المسألة على أهميّةٍ كبيرة، علمًا بأنّ التعليم العالي الجودة يسهم في النمو الإقتصادي المستدام، على الرغم من أنّه لا يشكّل وحده شرطًا كافيًا لأداءٍ إقتصادي صلب وإيجاد فرص العمل، لا سيّما منذ بدء الربيع العربي. وقد يعود ذلك إلى إنخفاض جودة التدريس ومخرجات التعليم، كما قد يعود إلى التفاوت العرضي والبنيوي في اقتصادات بلدان الشرق الاوسط وشمال إفريقيا. وبالتالي، يشكّل ضعف القطاع الخاص، لا بل حتى غيابه الكامل، أمرًا حاسمًا في الإطار. فالمشكلة كبيرةٌ وفي تفاقمٍ دائم. وبعكس الإقتصادات الأخرى الأكثر نموًّا، لا تتمتّع بلدان الشرق الأوسط وشمالي إفريقيا بنسبةٍ كبيرة من الراشدين في سكانها، بل تسيطر على شعوبها نسبةٌ كبيرة من الشباب (ثلثي السكان هم دون الخامسة والعشرين من العمر). وذلك يعني أن ملايين الشباب في المنطقة لا يحصلون على الخدمات التي تقدّمها الحكومات على الصعيد العام، أو تلك التي تقدّمها الأنظمة التعليميّة بشكلٍ خاص. هذا وتستحوذ مصر وتونس والعراق وسوريا وليبيا على العدد الأكبر من هؤلاء الشباب.

التوقّعات والمردود

على الرغم من ارتفاع مستويات الإنفاق في المنطقة خلال السنوات الماضية، لم تتم تلبية التوقعات، إذ لم يقم التدريس البدائي بتأمين المستويات المطلوبة في الرياضيات وتعليم القراءة والكتابة، ما يجعل العديد من الشباب غير قابلين للتوظيف في أيّ مهنةٍ تتطلّب أبسط مؤهلات الحساب والتواصل. بالتالي، يجب التركيز بشكلٍ أكبر على العلوم والرياضيات، علمًا بأنّ ثلثي الطلاب يتخرّجون حاملين شهاداتٍ في العلوم الإجتماعيّة والإنسانيات، ما يجعل عدد الطلاب الذين يتمتّعون بالمؤهلات المناسبة لتلبية حاجات التنمية الإقتصادية في المنطقة غير كافٍ. هذا ويكون عدم التطابق بين التوقّعات والمردود الإقتصادي أكثر حدّةٍ في البلدان التي تتّبع هذا النظام لمدّةٍ أطول. أمّا البلدان التي شهدت تقدّمًا فيالتعليم العالي، فيكون المردون غير كاف؛ إذ يكون مردود التعليم العالي ضئيلًا، في حين تؤثّر البطالة سلبًا على الذين حازوا على شهادات التعليم العالي. سيتطّرق العديد من المتحدّثين إلى هذا الموضوع خلال ندوة القاهرة.

ونتيجةً لهذه الإخفاقات، قد يشعر العديد من الشباب ليس بخيبة الأمل والإحباط الإقتصادي فحسب، بل بعدم القدرة على إحداث التغيير للأفضل.

المتطلّبات

تشكّل النتائج الأفضل على المستويات التعليميّة الأوّلية والثانويّة والتقنيّة/المهنيّة أمورًا أساسيّة -  وهي تتضمّن تحسيناتٍ أوليّة من حيث الجودة، ترافقها الزيادات المطلوبة في القدرات لا سيّما من حيث تطوير المهارات التقنيّة. فيحتاج النظام التعليمي إلى أن يتمتّع بالقدرة على تلبية احتياجات التجارة والصناعة والحكومة. هذا ويشكّل هذا الأمر ضعفًا نظاميًّا يظهر جليًّا في الأنظمة التعليميّة لدى بلدان الشرق الأوسط وشمال إفريقيا.

 غير أنّه هناك العديد من المكوّنات التي قد تساعد على تحسين الجودة وإنشاء نظامٍ يلبّي احتياجات الإقتصادات:

  • إدارة الأداء – تشكّل الحاجة إلى الربط بين المكافآت والحوافز من جهة ونتائج التعليم من جهةٍ أخرى حاجةً ملحّة. تشكّل هذه الآلية أمرًا مألوفًا في القطاع الخاص أكثر منه في القطاع العام، كما تتطلّب توفّر معلوماتٍ محدّدة في الوقت المناسب. هذا وينطبق الأمر عينه على احتراف إدارة المدارس وعلى المناصب التي ينطوي عليها النظام.
  • الموارد – تشير مختلف الدراسات إلى الحاجة إلى طاقم تعليم ذي مكانةٍ عالية كمحفّزٍ أساسي لتحصيل أفضل النتائج. غالبًا ما تُجبر بلدان المنطقة على إستيراد الخبرات التي غالبًا ما تكون مكلفةً وعابرة. كما وأصبح واضحًا أن زيادة الإنفاق على التعليم لا يضمن تحصيل الطلاب لنتائج أفضل على الأمد الطويل. ما تحتاجه البلدان هو استراتيجياتٌ تعطي الأولويّة للإستثمار وتُسلسل هذه الإستثمارات بشكلٍ يساعد على إنشاء نظام تعليمٍ متكامل – نظامٍ يقوم بإبرام الشراكات مع أصحاب العمل لفهم حاجات السوق.
  • مسؤوليّة أصحاب المصالح – يبرز هنا ما يمكن وصفه بأحدى المسائل الرئيسيّة في قلب الربيع العربي؛ وهي الفرصة للتأثير في كيفيّة بناء الأنظمة التعليميّة والصحيّة وتمويلها. إذ تكون هذه الآليات في العديد من بلدان الشرق الأوسط وشمال إفريقيا إمّا ضعيفةً جدًا أو غائبةً بالكامل أو أنّها تخضع لمقاومةٍ على يد الحكومات.

خيارات التأثير في عمليّة التغيير

لن يؤدّي القيام بالمزيد من الأمر عينه إلى نتائج إيجابيّة. فيجب على عمليّة الإصلاح أن تنطوي على نطاقٍ واسع من الخيارات، وذلك بهدف إحداث التغيير، على أن تكون هذه الخيارات مناسبة ولم يتمّ شراؤها من الخارج فحسب.

ومن هنا تبرز الحاجة إلى المؤسسات التعليميّة الفعالة من أجل تحفيز حسن التعليم وتعزيزه، ما يسهّل بالتالي التعلّم الفعال الذي يسمح بدوره للأطفال والشباب بتنمية قدراتهم. ويقوم هؤلاء بذلك من خلال اكتسابهم المعرفة والمهارات التي يستطيعون استخدامها في حياتهم اليوميّة.

وكي تشكّل المؤسسات التعليميّة عنصرًا فاعلًا، يجب على المجتمع الإنخراط في عمل المدارس وتحميلها المسؤوليّة؛ كما يجب تدريب المعلّمين وتشجيعهم على تطوير مهاراتهم داخل الصف كي يصبحوا محترفين ويقوموا بتأدية أدوارهم على أكمل وجه؛ ومن جهةٍ أخرى، ينبغي على الطلاب حضور صفوفهم في المدرسة أو الجامعة بانتظام والتعلّم في بيئةٍ تتمحور حول الطالب؛ هذا ويجب على المدارس والجامعات بدورها أن تتمتّع بحسن الإدارة على أساسٍ يومي؛ أمّا دور الحكومة فيتمثّل بتأمين ريادةٍ استراتيجيّة للنظام ككلّ، والحرص على تأمين جميع الناصر اللازمة وحسن سيرها.

فمن الضروري، بالتالي، التخطيط لمقاربةٍ لإصلاح القطاع التعليمي بهدف تعزيز نتائج التعلّم لدى الطالب وقدرة النظام على إدارة التغيير الذي تقوم السلطات الحكومية بدعمه. يشدّد هذا على أهميّة وجود بيئةٍ محفّزة بالإضافة إلى عمليّاتٍ ونشاطاتٍ من شأنها زيادة فعاليّة المدارس (والنظام بأكمله) وقيامها بأداءٍ أفضل.

ومن الواضح أن ذلك يدلّ على تركيزٍ مزدوج على الفعاليّة والتحسين في بلدان الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، سواء على مستوى مخرجات التعلّم لدى الطالب أو تأمين الخدمات بشكلٍ عام. وتتضمّن المقاربة لتحقيق نظام يتمتّع بحسن الإدارة التركيز على العوامل المتعلّقة بالمدرسة، بالإضافة إلى العوامل السياقيّة الأوسع، علمًا بأنّ المخرجات التعليميّة لا تعتمد على المؤسسات التعليمية وحدها، إذ تتأثّر أيضًا بسلسلةٍ من العوامل بما فيها الفقر والأداء الإقتصادي والإستقرار والجنس والوصول والإطار الإجتماعي والظروف العائليّة والصحّة.

 وعند التطرّق إلى العوامل السياقيّة، يجب على المقاربة الكليّة التي تهدف إلى إنشاء نظامٍ يتمتّع بحسن الإدارة ويؤمّن للطلاب المهارات التي يحتاجونها للتوظيف أن تأخذ عددًا من المسائل بالإعتبار:

  • العوامل الضاغطة في ما يخصّ تأمين فعاليّة أكبر (كآليات السوق ومسائل الطلب؛ أو مشاركة المجتمع في التعليم والتغيير الإجتماعي، إلخ)؛
  • كيفيّة سير عمليات الإصلاح المتكاملة على مختلف المستويات: الوطني والإقليمي والمدرسي، بهدف تأمين التطابق بين الموارد وأولويات السياسة والحرص على دعم مجموعات المدارس المتساوي، بالإضافة إلى تطوير قدرة الفاعلين وتأمين الوقت لهم للعمل التعاوني؛
  • فعاليّة الأنظمة الحالية في المراقبة والمسؤوليّة في ما يخصّ الحرص على أداء المعلّمين والمدراء في النظام؛
  • الموارد المتوفّرة لتسهيل تنمية المدارس (على مستوى اتخاذ القرارات، وماليًا وإداريًا، إلخ)؛ و
  • الأهداف التعليميّة التي من شأنها تعزيز الوصول والإنصاف وتحسين جودة التعليم ومخرجات التعلّم لدى الطالب وتوفير الفرص.

وعند التطرّق إلى العوامل المدرسيّة، يجب على المقاربة الكليّة التي تهدف إلى إنشاء نظامٍ يتمتّع بحسن الإدارة وبتخطيطٍ أفضل أن تتضمّن:

  • أدوات التغيير والتحسين – الطلاب والمعلّمون ومدراء المدارس والمدراء على المستوى المحلّي والمرشدون؛
  • كيفيّة مساهمة هؤلاء الأشخاص في الثقافة المؤسساتيّة الداعمة للتخطيط المتكامل وتقديم الخدمات؛
  • تعريف الثقافة في ما يخصّ الضعط الداخلي الدافع للتغيير والتحسين؛ الريادة؛ مشاركة رؤيا تحدّد ماهيّة منظمّة التعليم؛ التحفيز للتغيير والتحسين؛ التدريب والإرشاد؛ آليات دعم النظراء من المعلّمين؛ ثبات طاقم العمل؛ إلخ؛
  • هيكليّة أو خارطة طريق تحدّد العمليّة من تقييم الحاجات وحتى تحديد الأهداف؛ التخطيط المفصّل للتدخلات والنشاطات يرافقها جدولٌ زمني للتنفيذ؛ بالإضافة إلى فرصةٍ مناسبة للتفكير في وتقييم التقدّم والمخرجات؛ و
  • تحديد أهدافٍ واضحة تناسب جميع أصحاب المصالح، في ما يتعلّق ببتحسين جودة المدارس والمعلّمين ومدراء المدارس وبالتالي مخرجات التعلّم لدى الطالب.

وبناءً على العوامل المذكورة أعلاه، تتضمّن الخيارات التي يجب على المسؤولين أخذها بالإعتبار في عمليّة إصلاح القطاع التعليمي في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا:

  • إعطاء المزيد من السلطة للشعب وللمؤسسات المحليّة والسماح للشعب بالتأثير على حجم المؤسسات التعليمّة وملكيّتها، بالإضافة إلى تأدية دورٍ في المدارس يسمح لهم بالتأثير في طريقة التعليم ومواد؛
  • تأدية دور صانع السوق وذلك من خلال تنظيم الخدمات وشرائها وليس فقط تأمينها. يجب على الحكومات أن تنظر في توسيع دور القطاع الخاص – ليس في ما يخصّ البنى التحتيّة فحسب بل في كامل السلسلة التعليميّة – وذك بهدف ترسيخ الحوافز التي من شأنها صنع التغيير في قلب النظام التعليمي؛
  • توطيد العلاقات مع الصناعة والتجارة وتلبية حاجات القطاعين. وقد يعني ذلك، على سبيل المثال،  التحضير لدخول شراكاتٍ جديدة. فتستطيع الحكومات أداء دور المنسّق بين المساهمين بدلًا من دور الجهة المستفيدة والجهة المانحة؛
  • التركيز على تأمين المزيد من التدريب المهني والتقني الذي يوفّر سبلًا معزّزة لعددٍ أكبر من الطلاب، بالإضافة إلى نسبة توظيف أكثر ارتفاعًا على الأمد الطويل. هذا ويجب على هذا التأمين أن يأخذ بالإعتبار خيارت مختلفة عن الإلتزامات الأكاديميّة التقليديّة للشهادة الجامعيّة، وأن يؤمّن نطاقًا أوسع من مخططات التمهّن والدراسات بدوامٍ جزئي وما إلى ذلك؛
  • التفكير بطريقةٍ جذريّة في ما يخصّ إدارة الأداء. فتشكّل الحوافز؛ والإستخدام الأفضل للبيانات في اتخاذ القرارات؛ وبيانات الجودة الأفضل؛ وأنظمة قياس الجودة وضمانها أمورًا أساسيّة لتحقيق الأهداف على الأمد القصير.

تشكّل الحاجة الملحّة إلى تسريع الإصلاح المناسب على المستوى الإقليمي تحدّيًا فريدًا من نوعه. وعلى الرغم من أنّ للكثير من المبادرات والمقاربات المقترحة سوابقٌ في الأسواق العالميّة يمكن لحكومات المنطقة التعلّم منها، ينبغي أنشاء مبادراتٍ مناسبة سياقيًا ومصممةٍ خصيصًا للمنطقة. هذا وقد أصبح العديد من البلدان، لا سيّما بلدان الخليج العربي، أسيرةً للثروات، نتيجة شراء النماذج الخارجيّة لتأمين التعليم المبني على السوق، بالإضافة إلى النصائح من شركات الإستشارة الإداريّة – غير أنّ معظم هذه الأخيرة لم تحقّق النتائج المرجوّة. لذلك، ينبغي على الحكومات وشركائها في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا النظر في عمليّةٍ جذريّة في ما يخصّ إصلاح أنظمتها التعليميّة والإستثمار فيها، بهدف ضمان تحقيق تغييرٍ إيجابي على الأمد الطويل وتأمين فرصٍ حقيقيّة لملايين الشباب الذين يمرّون بهذه الأنظمة.