تواجه الباحثات والعالمات حول العالم العديد من التحديات في مسارهن المهني البحثي. إذ يعانين من التهميش وعدم تكافؤ الفرص وعدم المساواة مقارنة بأقرانهن من الرجال في المجتمع العلمي. الأمر الذي يستهدف صندوق نيوتن-مشرفة مجابهته عبر تمكين المرأة في البحث العلمي من خلال توفير الدعم لبناء قدراتهن وتنفيذ مشروعاتهن البحثية.
نتناول فيما يلي أربع قصص لباحثات مصريات ملهمات استطعن تأسيس مشروعات بحثية متميزة تسهم في تحقيق التنمية المستدامة. لتكون تلك النماذج بمثابة نبراس ينير الطريق لمستقبل أفضل للنساء في مجالات البحث العلمي والابتكار.
بوليمرات من قصب السكر لحماية البيئة
دعمًا للهدف الخامس من أهداف رؤية 2030 للتنمية المستدامة بمصر- الذي ينص على حفظ مستقبل الأجيال القادمة عبر تعزيز قدرة النظام البيئي على التكيف ومواجهة المخاطر، تعمل إيرين سامي، الباحثة بجامعة النيل المصرية على تطوير أكياس قابلة للتحلل صديقة للبيئة عبر مشروع بحثي مبتكر بالشراكة مع جامعة نوتنغهام بالمملكة المتحدة.
يستعمل المصريون كمًا هائلًا من الأكياس البلاستيكية لمختلف الأغراض نظرًا لانتشارها الهائل بفعل انخفاض تكلفتها. الأمر الذي يعد ذا عواقب بيئية وخيمة بسبب عدم تحلل البلاستيك في الطبيعة. لذا يهدف المشروع البحثي لسامي إلى استخدام البوليمرات الحيوية المتوفرة طبيعيًا كبديل للبلاستيك الضار، وهو الأمر الذي يمكن تحقيقه عبر تحسين أداء تلك المواد، وانتاجها بكلفة منخفضة وملائمة.
"نعمل على تصنيع أكياس لحفظ الطعام ومواد للتعبئة والتغليف باستخدام لب قصب السكر وإتاحتها بأسعار تنافسية. حيث يتميز لب قصب السكر بخصائص تحللية متميزة تجعله بديلًا مناسبًا لمادة ستيروفوم (البلاستيكية) المستخدمة حاليًا. كما تسهم الطريقة المبتكرة التي نعتمد عليها في تصنيع الأكياس ومواد التعبئة والتغليف في خفض الكمية المطلوبة من الطاقة والماء لنحو النصف. بذلك تنخفض تكلفة الإنتاج مما يتيح استغلاله في مصر على النحو الأمثل." كما توضح إيرين.
لا تقتصر التأثيرات البيئية لهذا المشروع البحثي على إيجاد بدائل للبلاستيك المستخدم في الأكياس فقط، بل تمتد إلى تعزيز جهود مجابهة تغير المناخ. حيث أن الاعتماد على البوليمرات الحيوية من لب قصب السكر في صناعة الأكياس من شأنه تشجيع التوسع في زراعة قصب السكر، الذي يتميز بقدرته الهائلة على تخزين الكربون -من خلال امتصاصه لثاني أكيد الكربون من الجو. وبالتالي يمكن لذلك الحد من الانبعاثات الكربونية بنسبة تصل إلى 5.2%.
تضيف أيرين أيضًا أن الدعم الذي حازته من صندوق نيوتن-مشرفة لمشروعها البحثي كان علامة فارقة. فالصندوق يعمل على بناء جسور الترابط بين البحث العلمي والتحديات الصناعية والسياسيات الحكومية، مما يساعد على تطوير كل من البحث العلمي والصناعة في مصر. الأمر الذي يساهم في تأسيس إطار عمل قوي وواضح يضمن تحقيق أهداف التنمية المستدامة التي تتبناها مصر والمملكة المتحدة.
طاقة نظيفة بتكلفة منخفضة لدعم السياحة المصرية
توفير طاقة نظيفة منخفضة التكاليف للمنشآت السياحية بمدينة الفيوم المصرية هو ما تسعى إليه سوزان عبد الهادي، الباحثة بجامعة الفيوم بمصر من خلال شراكة بحثية مع جامعة إمبريال كوليدج لندن البريطانية. حيث يستهدف هذا المشروع الممول من صندوق نيوتن-مشرفة تطوير تصميم مثالي لنظم الطاقة المتجددة الهجينة.
يعد تطوير القطاع السياحي بمدينة الفيوم المصرية بشكل مستدام أمرًا ضروريًا لدعم المجتمع المحلي بتلك المحافظة. إحدى السبل لتحقيق ذلك هو توفير طاقة كهربية نظيفة ومنخفضة التكاليف بالوقت ذاته. لذا عمل هذا المشروع على تقييم كفاءة استخدام الكتلة الحيوية والرياح والطاقة الشمسية في إنتاج كهرباء نظيفة داخل المدينة، بالإضافة إلى محاولة بناء نموذج أولي خاص بأنظمة الطاقة المتجددة الهجينة للمؤسسات السياحية بغرض العرض والتجربة. وهو ما تمكن المشروع البحثي لعبد الهادي من تحقيقه. حيث تمكنت من تطوير نموذج أولي محلي لنظام توليد الطاقة المتجددة الهجين ذي سعة 10 كيلو وات، الذي يعتمد على استغلال طاقة الرياح والطاقة الشمسية في توليد كهرباء نظيفة صديقة للبيئة.
"قدم المشروع حلولًا تقنية لشركة كهرباء مصر من أجل دمج أنظمة الطاقة المتجددة الهجينة مع شبكة الكهرباء الحالية على نطاق صغير، وهو أمر سيسمح مستقبلًا بالتوسع في استخدام الطاقة المتجددة." كما تشير سوزان.
لم يكتف المشروع بذلك فقط، إذ ساهم في تطوير قدرات مختبر الأبحاث المختص بإدارة طاقة الشبكة الذكية الحالي ليشمل تنفيذ دراسات الطاقة المتجددة. كما شارك المشروع في تأسيس محطة أرصاد جوية في مركز التدريب الإقليمي التابع لجامعة الفيوم الواقع بالقرب من بحيرة قارون.
وأوضحت سوزان أن مشروعها البحثي الحائز على دعم وتمويل صندوق نيوتن-مشرفة يساهم في تحقيق عدد من أهداف التنمية المستدامة؛ في مقدمتها الهدف السابع المتعلق بتوفير طاقة نظيفة بتكلفة مناسبة، والهدف الحادي عشر المرتبط بتعزيز استدامة المدن والمجتمعات المحلية، وأيضًا الهدف الثالث عشر الخاص بالعمل المناخي. وذلك عبر دعم تقديم حلول للطاقة المستدامة، بشكل يعزز من جهود النهوض بقطاع السياحة المصري، وكذلك يجابه تغير المناخ بالوقت ذاته.