Marco Zaki, a researcher at the Egyptian University of Minya, inside his research laboratory to find liver cancer treatments

دعم البحث العلمي لمجابهة أمراض الكبد

تجابه مصر تحديًا هائلًا في مجال الصحة فيما يتعلق بأمراض الكبد. حيث تمتلك مصر أعلى معدل انتشار لالتهاب الكبد الفيروسي ج، وبالوقت ذاته ثاني أعلى معدل انتشار لسرطان الكبد حول العالم. الأمر الذي يجعل من عبء أمراض الكبد في مصر وخيمًا للغاية، حيث تمتد تأثيراته إلى الصحة والاقتصاد والتنمية. وتشير بعض الدراسات إلى أن العبء الاقتصادي لأمراض الكبد في مصر سيبلغ 89 مليار دولار أمريكي بين عامي 2015 و 2030 حال بقاء الوضع الراهن. وهنا يأتي دور البحث العلمي لإيجاد حلول تجابه تلك الأمراض الكبدية، لذا يستهدف صندوق نيوتن-مشرفة مجالات الرعاية الصحية كأحد أولوياته لدعم البحث العلمي والابتكار في مصر.

بتمويل يبلغ قدره 50 مليون جنيه إسترليني، يسعى صندوق نيوتن-مشرفة إلى دعم البحث العلمي في مصر من خلال بناء الشراكات بين المؤسسات البحثية المصرية ونظيرتها بالمملكة المتحدة. حيث يوفر الصندوق الفرصة لبناء القدرات والمهارات، وتعزيز التعاون البحثي بين البلدين، ونقل الابتكار والمعارف والخبرات.

نتناول فيما يلي ثلاث قصص ملهمة لباحثين وباحثات مصريين يسعون لمجابهة أمراض الكبد ومضاعفاتها على أصعدة مختلفة. وذلك من خلال اكتشاف طرق لتشخيص سرطان الكبد ذات تكلفة منخفضة، وإيجاد علاجات مناعية لسرطان الكبد، و تطوير أدوات تشخيصية للكشف المبكر عن سرطان الكبد.

تشخيص سرطان الكبد بتكلفة منخفضة

يبلغ معدل الإصابة بالتهاب الكبد الفيروسي ج في مصر قرابة 10% إلى 15% من عدد السكان خلال العقود الثلاثة الأخيرة. المرض الذي يتسبب في العديد من المضاعفات الصحية التي تتفاقم لتؤدي للإصابة بسرطان الكبد. مما أدى إلى ارتفاع معدلات حدوث سرطان الكبد بين أنواع السرطان الأخرى، حيث يمثل قرابة 33.5% من كافة حالات السرطان لدى الذكور، وحوالي 13.5% من جميع حالات السرطان لدى الإناث في مصر. يعتمد تشخيص سرطان الكبد بشكل رئيسي على إجراء فحوص بالموجات فوق الصوتية والفحوص المقطعية باستخدام الحاسب، التي تعد غير متوافرة في كثير من الأحيان. تطوير أدوات لتشخيص وفحص سرطان الكبد في ظروف الموارد المحدودة هو ما يعكف عليه إمام واكد -الأستاذ بمعهد الكبد القومي المصري- من خلال مشروع بحثي بالشراكة مع الكلية الإمبراطورية بلندن.

يسعي ذلك المشروع البحثي إلى البحث عن علامات حيوية يمكن إيجادها في عينات الدم أو البول تشير إلى وجود سرطان الكبد، ومن ثم تشخيصه بطريقة سهلة وبسيطة في مراحله الأولى. وهو ما توصل إليه بالفعل واكد وفريقه البحثي عبر اكتشاف مركبات أيضية في البول تدل على الإصابة بسرطان الكبد في مرحلة مبكرة للغاية. ويأمل واكد في استخدام ذلك لتطوير اختبار بسيط -شبيه بفحص الحمل المنزلي- للتشخيص المبكر لسرطان الكبد من خلال عينة بول فقط، ليتم استخدامه على نطاق واسع وفي الظروف ذات الموارد المحدودة بشكل خاص.

"يمكن لبحثنا المساهمة في تطوير طريقة جديدة للكشف عن سرطان الكبد في مرحلة مبكرة جدًا. الأمر الذي سيتيح علاج وإنقاذ العديد من المرضى، الذين يتم تشخيصهم حاليًا خلال المراحل المتأخرة من المرض التي لا يمكن علاجها." كما يوضح واكد.

الشراكة البحثية الممولة من صندوق نيوتن-مشرفة ساعدت على تيسير وصول الباحثين إلى مرافق بحثية ومختبرات متقدمة غير موجودة بمصر. ويضيف واكد أن المشروع البحثي المشترك ساهم في تدريب الباحثين المصريين على استخدام تلك الموارد، بجانب نقل الخبرات البحثية والتقنية لإجراء بحوث عالية الجودة بجامعة المنوفية المصرية.

إيجاد علاجات مناعية لسرطان الكبد

يحتل سرطان الكبد المركز الرابع ضمن أنواع السرطان الأكثر شيوعًا في مصر. ويرجع ذلك إلى ارتفاع معدلات انتشار التهاب الكبد الفيروسي ج والعديد من أمراض الكبد المزمنة الأخرى، التي تسهم في الإصابة بسرطان الكبد. فهم الدور الذي يلعبه الجهاز المناعي داخل الكبد بهدف إيجاد علاجات لسرطان الكبد هو ما يعمل عليه ماركو زكي -الباحث بكلية الصيدلة جامعة المنيا المصرية- من خلال شراكة بحثية مع جامعة نيوكاسل البريطانية.

يستهدف هذا المشروع البحثي فهم الآليات المختلفة التي يتطور بها سرطان الكبد لدى المصابين بأمراض الكبد المختلفة. حيث يركز بشكل رئيسي على أدوار الخلايا المناعية المختلفة التي قد تساهم في حدوث السرطان داخل الكبد. الأمر الذي قد يساعد بشكل كبير في إيجاد طرائق جديدة لعلاج وكذلك تشخيص سرطان الكبد. 

يوضح زكي: "يعتبر العلاج المناعي المعيار الذهبي لعلاج العديد من أنواع السرطان حول العالم. فهم الكيفية التي تخترق بها الخلايا المناعية المسببة للسرطان إلى داخل الكبد سوف يساعد في تحديد أفضل البروتوكولات العلاجية لهذا النوع القاتل من السرطان."

الشراكة البحثية المصرية البريطانية لم تتوقف عند هذا الحد، إذ امتدت لتشمل إنشاء معمل أبحاث بجامعة المنيا يركز على اكتشاف سبل تشخيص وعلاج أمراض الكبد المنتشرة في مصر وعلى رأسها سرطان الكبد. الأمر الذي يرى زكي أنه سيمكن شباب الباحثين والباحثات بمصر من العمل على مجابهة التحديات التي تواجه مصر في مجال الرعاية الصحية.

كما يؤكد زكي أن تمويل صندوق نيوتن-مشرفة ساهم في خلق شراكات مصرية مع مؤسسات بحثية بريطانية رائدة، مما ساهم في تبادل الخبرات حول أحدث تقنيات المستخدمة في البحث العلمي بمجالات الصحة. حيث يعكف زكي حاليًا على إجراء المزيد من الأبحاث حول دور الخلايا المناعية في حدوث سرطان الكبد، وذلك من خلال شراكة بحثية جديدة مع مركز أمراض الجهاز الهضمي والكبد بجامعة برمنجهام البريطانية.

أداة تشخيصية للكشف المبكر عن سرطان الكبد 

يعد عدم توافر الأدوات والوسائل التي تتيح الكشف المبكر عن سرطان الكبد في مقدمة التحديات التي تجابه مكافحة هذا المرض. خاصة مع الأخذ بعين الاعتبار أن سرطان الكبد لا يظهر أعراضًا مرضية في مراحله الأولى، لكن بالوقت ذاته يعد سرطان الكبد قابلًا للعلاج في تلك المراحل المبكرة. إيجاد وسائل للتشخيص المبكر لسرطان الكبد باستخدام عينات البول هو ما تسعى إليه الزهراء الخطيب – المدرس المساعد والباحثة بمعهد الكبد القومي بجامعة المنوفية المصرية- من خلال التعاون البحثي مع الكلية الإمبراطورية بلندن.

تستهدف تلك الشراكة البحثية المصرية البريطانية ابتكار وسيلة جديدة لتشخيص سرطان الكبد بشكل مبكر تتسم بالفعالية والدقة العالية وانخفاض التكلفة في الوقت ذاته. وذلك من خلال البحث عن مركبات كيميائية في بول المرضى تشير لحدوث المرض، والتي يمكن التعرف عليها باستخدام تقنيات حديثة الأمر الذي قد يساهم في ابتكار أداة للتشخيص المبكر لسرطان الكبد، ومن ثم إمكانية علاجه بشكل أكثر سهولة ونجاعة.

قام الفريق البحثي بفحص عينات بول المصابين بأمراض الكبد المرتبطة بسرطان الكبد مثل التهاب الكبد الفيروسي ج وتليف الكبد وتشمع الكبد. وذلك بهدف البحث عن مركبات كيميائية أو علامات حيوية يمكنها الإشارة إلى الإصابة بسرطان الكبد. وبالفعل تمكنت الزهراء من اكتشاف عدد من المركبات الأيضية المميزة التي يمكن استخدامها بشكل محتمل كعلامات تشير لحدوث سرطان الكبد، ومن ثم المساهمة في تطوير أدوات للتشخيص المبكر للمرض.

"تهدف تلك الجهود البحثية إلى مجابهة معضلة التهاب الكبد الفيروسي ج على كافة المستويات خاصة مضاعفات العدوى التي تؤدي للإصابة بسرطان الكبد. الأمر الذي سيساهم في خلق مستقبل أفضل لعالم خال من التهاب الكبد الفيروسي ج ومضاعفاته الخطيرة." كما تبين الزهراء.

المشروع البحثي الممول من صندوق نيوتن-مشرفة ساعد الزهراء كباحثة مصرية على التقدم في مسارها المهني البحثي والأكاديمي. حيث تشير إلى أنه قد أتاح لها الفرصة لاكتساب وتبادل الخبرات والمهارات العلمية، وفي الوقت ذاته تستهدف الأبحاث التي يمولها الصندوق حل المشكلات الكبرى المتعلقة بالصحة في مصر، وفي مقدمتها عبء أمراض الكبد.

AlZahraa Al Khatib, a researcher at the National Liver Institute at the Egyptian University of Menoufia, during her participation in a scientific conference

من الجدير بالذكر أن صندوق نيوتن-مشرفة منذ إطلاقه عام 2014 قد قام بتوفير 282 منحة للباحثين المصريين للحصول على درجة الدكتوراة، بالإضافة إلى تمويل 69 شراكة بحثية بين الجامعات المصرية والجامعات بالمملكة المتحدة. وقد كان للأبحاث المتعلقة بالرعاية الصحية نصيبًا هائلًا منها بلغ قرابة 69% من منح الدكتوراة، وحوالي 22% من الشراكات البحثية. الأمر الذي يؤكد حرص الصندوق على دعم البحث العلمي والابتكار في مصر في مجال الرعاية الصحية ذات التكلفة المعقولة والشاملة للجميع.

يستهدف صندوق نيوتن-مشرفة تمويل البحث العلمي والابتكار في خمس مجالات رئيسية: إدارة المياه المستدامة، الطاقة المتجددة، إنتاج الغذاء المستدام، علم الآثار والتراث الثقافي، والرعاية الصحية ذات التكلفة المعقولة والشاملة للجميع. وترتبط تلك المجالات ذات الأولوية ارتباطًا وثيقًا برؤية مصر 2030 للتنمية، بالإضافة إلى أهداف التنمية المستدامة للأمم المتحدة.

يتم تمويل صندوق نيوتن-مشرفة على امتداد سبع سنوات بشكل مشترك من قبل إدارة الأعمال والطاقة والاستراتيجية الصناعية بالحكومة البريطانية ووزارة التعليم العالي والبحث العلمي بالحكومة المصرية. ويشرف على إدارته وتنفيذه شركاء عديدون من بينهم المجلس الثقافي البريطاني والأكاديمية البريطانية في المملكة المتحدة، وصندوق العلوم والتنمية التكنولوجية وإدارة الشؤون الثقافية والبعثات في مصر.