يعمل ماهر رشوان -الباحث وطبيب الأسنان بجامعة الإسكندرية المصرية- على تطوير مواد خزفية لصنع تركيبات الأسنان بأسعار زهيدة.

يواجه الباحثون والباحثات في مصر العديد من التحديات خاصةً في بداية مسارهم المهني البحثي. الأمر الذي يستهدف صندوق نيوتن-مشرفة مجابهته عبر تمكين شباب الباحثين والباحثات من خلال توفير كافة سبل الدعم لبناء قدراتهم وتنفيذ مشروعاتهم البحثية.

بتمويل يبلغ قدره 50 مليون جنيه إسترليني، يسعى صندوق نيوتن-مشرفة إلى دعم البحث العلمي في مصر من خلال بناء الشراكات بين المؤسسات البحثية المصرية ونظيرتها بالمملكة المتحدة. حيث يوفر الصندوق الفرصة لبناء القدرات والمهارات، وتعزيز التعاون البحثي بين البلدين، ونقل الابتكار والمعارف والخبرات.

نتناول فيما يلي ثلاث قصص لباحثين وباحثات مصريين في بداية مسارهم الأكاديمي تمكنوا من تأسيس مشروعات بحثية متميزة تسهم في إيجاد حلول لعدة من المشكلات التي يجابهها المجتمع المصري، بالإضافة إلى تطوير البحث العلمي والابتكار بمختلف المجالات.

خفض تكاليف الرعاية الصحية للأسنان

يواجه القطاع الصحي في مصر العديد من التحديات، من بينها ارتفاع تكلفة الرعاية الصحية للأسنان. الأمر الذي يعود بالضرر على الأفراد، وكذلك يؤثر على الاقتصاد بشكل سلبي على المدى الطويل. لذا يسعى ماهر رشوان -الباحث وطبيب الأسنان بجامعة الإسكندرية المصرية- إلى خفض تكاليف الرعاية الصحية للأسنان عبر مشروعه البحثي بالشراكة مع جامعة كوين ماري بلندن البريطانية.

يستهدف مشروع رشوان خفض تكلفة تصميم المواد المستخدمة في صنع تركيبات الأسنان المستخدمة في العديد من الإجراءات العلاجية. وذلك من خلال تطوير مواد خزفية قوية عالية الجودة لصنع تركيبات الأسنان بأسعار زهيدة، ويمكن إنتاجها خلال وقت قصير. حيث تمكن بالفعل من إنتاج تلك المواد خلال التجارب الأولية الخاصة بمشروعه مستخدمًا عدد أقل من الأجهزة.

يوضح رشوان أن الدعم الذي حازه من صندوق نيوتن-مشرفة يتجاوز مجرد تمويل مشروعه البحثي: "أعتقد أن المنحة تقدم الكثير من المميزات للحاصلين عليها، فهي تهدف إلى تطوير باحثين قادرين على عرض مشروعاتهم والحصول على المنح الدولية لتنفيذها، كما تدعم بناء شراكات بحثية مفيدة بين الباحثين المصريين وكبرى المؤسسات العلمية في المملكة المتحدة؛ وهما أمران يدعمان تطوير البحث العلمي إجمالًا في مصر."

حيث تمكن رشوان من نشر ورقتين بحثيتين عن مشروعه في إحدى الدوريات العلمية المرموقة بمجال طب الأسنان، كما تمكن من عرض مشروعه خلال أحد أهم المؤتمرات العالمية لطب الأسنان. بالإضافة إلى ذلك، تمكن رشوان من الحصول على تمويل إضافي من جامعة كوين ماري بلندن، لمساعدته على تطبيق النتائج التي توصل إليها ونقل مشروعه البحثي خطوة إلى الأمام. الأمر الذي ساعده على تطوير مساره المهني البحثي والأكاديمي كباحث في مقتبل مسيرته العلمية.

"أسعى حاليًا لنقل العمل البحثي المعملي إلى طور التنفيذ عبر بناء شراكات مع بعض المؤسسات الصناعية من أجل تطبيق نتائج بحثي على أرض الواقع وخدمة القطاع الصحي." كما يؤكد رشوان بهدف تنفيذ ابتكاره وتحقيق هدفه بتوفير خدمات العناية بصحة الأسنان للمرضى بتكلفة ميسورة.

رعاية أفضل للمصابين بألم العصب الخامس

توفير رعاية صحية مميزة للمرضى المصابين بألم العصب ثلاثي التوائم -المعروف أيضًا بألم العصب الخامس- هو ما تسعى إليه ليديا نبيل -الباحثة والممارسة الإكلينيكية بجامعة الإسكندرية بمصر- من خلال مشروعها البحثي عبر شراكة مع كنجز كوليدج لندن بالمملكة المتحدة.

يُعَد ألم العصب الخامس -أو ألم العصب ثلاثي التوائم- ألمًا شديدًا للغاية يشبه الصدمة الكهربائية يصيب الوجه. مما يجعل من ممارسة عدد من الأنشطة اليومية الطبيعية، مثل تناول الطعام والتحدث وغسل الأسنان ولمس الوجه، أمورًا مؤلمةً للغاية ويصعب القيام بها. مما يؤثر بشكل سلبي على جودة حياة المصابين بهذا المرض.

يهدف المشروع البحثي الممول من خلال صندوق نيوتن-مشرفة إلى توفير عناية أفضل لأولئك المرضى سواء في مصر أو المملكة المتحدة، وذلك عبر تقديم دليل يتضمن الوسائل التشخيصية والعلاجية المتطورة المقترنة بالتعامل مع ألم العصب الخامس. 

توضح نبيل ذلك: "قدم المشروح البحثي منهجًا بيولوجيًا ونفسيًا شاملًا لتقييم حالات ألم العصب ثلاثي التوائم وعلاجها. الأمر الذي يؤدي إلى تحسين نتائج العلاج للمرضى، وتطوير قدرات الأطباء، وتخفيف الحمل على الأنظمة الصحية."

بجانب هذا توصلت نتائج المشروع البحثي إلى أن ذلك الألم يسبب تداعيات نفسية عدة يعانيها المصابون، أهمها الاضطرابات النفسية المتمثلة في الاكتئاب والقلق. الأمر الذي يزيد من معاناة المرضى، وقد يؤثر في نتائج رحلة العلاج، وبالتالي يجدر الانتباه إليه لتقديم رعاية أفضل لأولئك المرضى. 

لم تتوقف نتائج المشروع البحثي على هذا فحسب بالنسبة لنبيل. حيث تمكنت من تطوير خبراتها الإكلينيكية المتعلقة بوسائل التشخيص وطرح الخيارات العلاجية المختلفة التي تناسب حالة كل مريض من خلال العمل في العيادات التخصصية التابعة لكنجز كوليدج لندن وتبادل الخبرات مع الطاقم الطبي المتميز بها. 

كما تمكنت من نشر أربع أوراق بحثية في كبرى الدوريات الطبية المتخصصة الفم والأسنان، إلى جانب حضورها مجموعة من البرامج التدريبية التي نظمها الشريك الأكاديمي البريطاني. كل تلك الأمور ساهمت في تطوير خبرات نبيل البحثية، وساعدتها على تنفيذ مشروعها البحثي وفق أعلى المعايير الأكاديمية.  

"ممتنة لحصولي على منحة صندوق نيوتن-مشرف التي أتاحت لي الفرصة لتبادل وتشارك الخبرات مع أكبر أساتذة تخصصي الطبي بالمملكة المتحدة. كما سعدت كثيرًا بوضع اسم جامعتي المصرية -جامعة الإسكندرية- على أوراق بحثية منشورة في أفضل الدوريات العلمية. كل ذلك أدى إلى تعزيز قدراتي البحثية، وتطوير شخصيتي الأكاديمية." كما تؤكد نبيل.

تقنية الواقع المعزز لإثراء السياحة المصرية

"أسعى إلى أن يعيش زوار المتاحف في عالم مشابه لما رأيناه جميعًا في فيلم "ليلة في المتحف" (Night at the museum)، ليحصل على تجربة لا تنسى!". هذا هو ما يسعى إلى تنفيذه رامي حمادي -الباحث بجامعة حلوان المصرية- بالمتاحف المصرية عبر مشروع بحثي بالتعاون مع جامعة هدرسفيلد بالمملكة المتحدة.

"عين المتحف" هو نتاج مشروع حمادي البحثي المدعوم من صندوق نيوتن-مشرفة، وهو يهدف إلى تطوير تجربة الزوار بالمتاحف المفتوحة والمغلقة وتعزيز انغماسهم في تلك التجربة. حيث تقوم فكرة المشروع على بناء نظام تصوير مجسم (هولوجرام) يتيح لزوار المتاحف مشاهدة الشخصيات التاريخية، والتعرف على التراث الثقافي المصري، والاستماع إلى قصص الحضارة المصرية وأحداثها التاريخية، عبر العيش في العالم الخاص بتلك الأحداث.

يوضح حمادي أن ذلك يتم بالاعتماد على تقنيات الواقع المعزز التي تتيح المزج بين البيئة الواقعية الموجود بها السائح، وبين الصور المجسمة التخيلية في نفس الوقت. ليتمكن بذلك زوار المتاحف عند ارتداء أجهزة نظارات الواقع الافتراضي من دخول عالم واقعي-افتراضي يحوي دليل هولوجرامي يقدم صورًا مجسمة يستطيع الزوار التفاعل معها بشكل واقعي، الأمر الذي يحول الزيارة إلى تجربة تفاعلية لا تنسى.

من خلال المشروع أعاد حمادي تمثيل العالم الحربي الخاص بالدولة المصرية القديمة مستعرضًا مجسمات بصرية للجنود والعجلات الحربية للزوار، كما قدم لهم فرصة اختبار حياة علماء الآثار ومستكشفيه مدة يوم واحد من أجل البحث عن الكنوز داخل المتحف.

"كما أعكف حاليًا على الدمج بين تقنيتي الواقع الممتد والذكاء الاصطناعي بهدف استغلالهما في المتاحف، وذلك لإثراء تجربة الزائرين وزيادة تفاعلهم في أثناء زياراتهم، بدلًا من الاعتماد على التسجيلات الصوتية المسجلة مسبقًا." كما يوضح حمادي.

لا يتوقف هدف هذا المشروع البحثي على تطوير البحث العلمي بمجال التراث الثقافي فحسب، إذ يمتد ليشمل المساهمة في تطوير المتاحف المصرية المتنوعة. مما سيساعد على جذب المزيد من السياح حول العالم، الأمر الذي يعد ذو أهمية خاصة للاقتصاد المصري وتحقيق نمو مستدام.

رامي حمادي -الباحث بجامعة حلوان المصرية- أثناء عرضه لمشروعه البحثي حول استخدام تقنيات الواقع المعزز لإثراء تجربة زوار المتاحف المصرية.