أحمد القط الباحث بمركز البحوث الزراعية بمصر مع فريقه البحثي بأحد حقول القمح

يمثل الأمن الغذائي تحديا هائلا في عالم يعيش فيه 7.8 مليار فرد يتزايدون بإطراد. ويعول على البحث العلمي والابتكار إيجاد طرائق وحلول غير تقليدية لمجابهة ذلك التحدي غير المسبوق في تاريخ البشر. لذا يستهدف صندوق نيوتن-مشرفة إنتاج الغذاء المستدام كأحد أولوياته لدعم البحث العلمي والابتكار في مصر. بتمويل يبلغ قدره 50 مليون جنيه إسترليني، يسعى صندوق نيوتن-مشرفة إلى دعم البحث العلمي في مصر من خلال بناء الشراكات بين المؤسسات البحثية المصرية ونظيرتها بالمملكة المتحدة. حيث يوفر الصندوق الفرصة لبناء القدرات والمهارات، وتعزيز التعاون البحثي بين البلدين، ونقل الابتكار والمعارف والخبرات.

نتناول فيما يلي ثلاث قصص ملهمة لباحثين وعلماء يسعون لتحقيق الأمن الغذائي وإنتاج الغذاء المستدام. وذلك من خلال مكافحة أمراض النباتات باستخدام الهندسة الوراثية، ومجابهة تأثيرات التغير المناخي على المحاصيل الزراعية، واستخدام الحوسبة السحابية وتحليل البيانات الضخمة في دعم المزارعين.  

حماية الذهب الأصفر من الصدأ

يعد القمح محصول الحبوب الأكثر أهمية في مصر إذ يوفر 30% من الاحتياجات الغذائية للسكان. إلا أن الإنتاج المحلي للمحصول المقدر بحوالي 9 ملايين طن سنويا يكفي فقط نصف الاستهلاك المطلوب. ويواجه المحصول الغذائي الرئيسي في مصر خطرا محدقا يتمثل في أمراض الصدأ، التي تتسبب في فقدان كميات هائلة من القمح. حماية الذهب الأصفر من الصدأ هو الهدف الرئيسي ل أحمد القط، الباحث بمركز البحوث الزراعية بمصر من خلال شراكة بحثية مع مركز جون إنس بالمملكة المتحدة.

يستهدف المشروع البحثي مكافحة تلك الأمراض التي تصيب القمح عبر تطوير سلالات جديدة تضم جينات متعددة مقاومة للأمراض. حيث أتاحت تقنية جديدة تم تطويرها بمركز جون إنس اكتشاف الجينات المقاومة للأمراض والتعرف على التسلسل الخاص بها بشكل سريع. من خلال استعمال تلك التقنية الثورية يمكن التعرف على الجينات المقاومة لأمراض الصدأ والبياض في سلالات القمح المصرية. ومن ثم يمكن استخدام تلك الجينات في الحصول على سلالات جديدة للقمح يمكنها مقاومة الأمراض بشكل أفضل وتقليل فقدان محصول القمح.

'لقد قمنا بتقييم 300 سلالة من قمح الخبز ضد مرض صدأ القمح في أربعة مواقع مختلفة في مصر. وقد استخدمنا هذه البيانات من خلال التقنية الجديدة للتعرف على الجينات المقاومة للأمراض المرشحة للاستخدام .. وبالفعل قمنا بالتعرف على جين مرشح لمقاومة الأمراض الرئيسية التي تصيب القمح وتم تأكيد وظيفته.' كما يوضح أحمد القط.

المشروع الممول من صندوق نيوتن-مشرفة لم يقتصر على الجانب البحثي فحسب. إذ أنه من خلال المشروع تم تدريب 25 من شباب العلماء المصريين من مختلف الجامعات والمراكز البحثية على عدد من المهارات غير البحثية الضرورية، مثل النشر العلمي والتقديم على منح التمويل والتواصل العلمي. الأمر الذي يساهم في بناء قدرات الباحثين المصريين ومساعدتهم في بلوغ طموحهم الأكاديمي والعلمي.

مجابهة آثار التغير المناخي على الأمن الغذائي

توفير الغذاء لأكثر من 100 مليون نسمة هو أحد التحديات الرئيسية التي تواجه التنمية في مصر. ومع الزيادة السكانية المطردة وصولا لما يزيد عن 160 مليون نسمة بحلول عام 2050 -وفقا لتقديرات الأمم المتحدة، يجب زيادة إنتاج الغذاء بمقدار 70%. إلا أنه بالوقت ذاته سيجابه الأمن الغذائي المصري تحديا آخرا يتمثل في تأثيرات التغير المناخي على المحاصيل الغذائية. فهم تلك التأثيرات هو ما يسعى إليه ياسر شبانة، أستاذ أمراض النبات بجامعة المنصورة عبر شراكة بحثية مع جامعة هيرتفوردشاير البريطانية.

يهدف المشروع البحثي إلى دراسة كيفية تأثير التغير المناخي على انتشار وتوزيع الأمراض الفطرية التي تصيب القمح والذرة في مصر. حيث أن التغير المناخي من شأنه أن يحدث العديد من التغييرات بالفطريات التي تصيب النباتات بالأمراض، من حيث دورة المرض وشراسته وتوريعه الجغرافي. الأمر الذي يعد مهما للغاية لمكافحة الأمراض الفطرية التي تصيب القمح والذرة -المحصولين الزراعيين الأكثر أهمية في مصر- بشكل فعال، وذلك بغرض تقليل الكميات المفقودة من تلك المحاصيل.

 

يوضح ذلك ياسر قائلا: "لقد قمنا بتحديد حدوث وانتشار الأمراض المنقولة بواسطة البذور التي تصيب القمح في مصر، والتعرف على خصائصها باستخدام تقنيات بيولوجية وفسيولوجية وجزيئية. حيث قمنا برسم خرائط لتوزيع الأمراض الفطرية الرئيسية، ويتم حاليا العمل على تطوير نماذج لنمو النباتات وانتشار الأمراض وفقا لحالة المناخ، وذلك بغرض التنبؤ بشدة الأمراض ومقدار فقدان المحاصيل."

فريق البحثي المصري-البريطاني في معمل أمراض النبات بكلية الزراعة جامعة المنصورة في مصر

المشروع البحثي الممول من صندوق نيوتن-مشرفة يعد الأول من نوعه لدراسة آثار التغير المناخي على الأمراض الفطرية التي تصيب المحاصيل الزراعية في مصر. حيث سيتم استخدام النتائج التي سيتوصل إليها المشروع في صياغة استراتيجيات وسياسات جديدة لمواجهة تأثيرات التغير المناخي على إنتاجية المحاصيل الزراعية في مصر. الأمر الذي سيساهم في تعزيز الأمن الغذائي في مجابهة زيادة أعداد السكان.

بجانب ذلك يوفر المشروع البحثي الفرصة للعلماء والباحثين المصريين لنشر أوراق بحثية بدوريات ذات معامل تأثير مرتفع، وللمشاركة الفعالة في المؤتمرات وورش العمل والبرامج التدريبية الدولية. مما يساهم بشكل مباشر في بناء وتطوير قدراتهم، بالإضافة إلى تحسين ترتيب الجامعات المصرية بالتصنيفات العالمية للجامعات. الأمور التي لم تكن لتتم دون الحصول على تمويل صندوق نيوتن-مشرفة، حسبما أوضح شبانة.

الحوسبة السحابية في خدمة المزارع المصري

لا يقتصر تحقيق التنمية الزراعية على الاهتمام بالمحاصيل الزراعية فحسب، بل يمتد إلى دعم العاملين بمجال الزراعة وعلى رأسهم المزارعين. حيث يعمل قرابة 31% من القوى العاملة بمصر في الزراعة، والتي تساهم بمقدار 14% من إجمالي الناتج المحلي. استخدام تكنولوجيا الحوسبة السحابية في دعم المزارعين المصريين هي الرؤية التي يتبناها محمد خفاجي، الأستاذ في جامعة الفيوم بمصر من خلال مشروع بحثي مشترك مع جامعة غرب إنجلترا، بريستول بالمملكة المتحدة.

يوضح محمد خفاجي: "لقد قمنا بتطوير منصة إلكترونية تضم قواعد بيانات للشكاوى والاستفسارات التي قام بها المزارعون، بالإضافة إلى استجابات الخبراء الزراعيين لها .. والتي تم الحصول عليها من المراكز الزراعية في مصر. وتعد عملية الرقمنة تلك غاية في الأهمية لتطوير أدوات توفر الدعم والإرشاد بخصوص الشكاوى والاستفسارات الجديدة للمزارعين المصريين، وذلك من خلال تطبيق تقنيات تحليل البيانات الضخمة وتعلم الآلة."

الهدف الرئيسي للمشروع هو بناء نظام لإدارة الشكاوى ودعم اتخاذ القرار باستخدام تكنولوجيا الحوسبة السحابية للبيانات الكبيرة. وذلك عبر تحويل السجلات الحكومية المكتوبة لشكاوى واستفسارات المزارعين والإجابات التي وفرها الخبراء الزراعيين إلى بيانات رقمية. ومن خلال الاعتماد على تكنولوجيا تحليل البيانات الضخمة باستخدام الحوسبة السحابية يمكن توفير دعم وإرشاد أفضل للمزارعين المصريين. حيث سيمكن ذلك النظام المزارعين من تبني ممارسات الاستدامة الزراعية، والتي ستساهم بدورها في تحقيق الأمن الغذائي في مصر.

لم يكتفي المشروع الممول من صندوق نيوتن-مشرفة بهذا فحسب، حيث ساعد أيضا في تطوير البنية التحتية لجامعة الفيوم وكذلك بناء قدرات الباحثين والطلاب. فمن خلال الشراكة البحثية المصرية-البريطانية تم تطوير معمل أبحاث للحوسبة السحابية والبيانات الضخمة، والذي يعد المختبر المتخصص الأول من نوعه ليس بجامعة الفيوم فحسب بل بالجامعات المصرية الحكومية أجمع. بالإضافة إلى هذا فقد تم تدريب الباحثين المصريين على أحدث التقنيات في مجالات علم البيانات وتحليل البيانات والحوسبة السحابية، وذلك في إطار نقل المعرفة والتكنولوجيا التي يتبناها المشروع في تلك مجالات.