تواجه الباحثات والعالمات حول العالم العديد من التحديات في مسارهن الأكاديمي. إذ يعانين من التهميش وعدم تكافؤ الفرص وعدم المساواة مقارنة بأقرانهن من الرجال في المجتمع العلمي. الأمر الذي يستهدف صندوق نيوتن-مشرفة مجابهته عبر تمكين المرأة في البحث العلمي من خلال توفير الدعم لبناء القدرات وتحقيق الأهداف الأكاديمية وقيادة المشاريع البحثية.
بتمويل يبلغ قدره 50 مليون جنيه إسترليني، يسعى صندوق نيوتن-مشرفة إلى دعم البحث العلمي في مصر من خلال بناء الشراكات بين المؤسسات البحثية المصرية ونظيرتها بالمملكة المتحدة. حيث يوفر الصندوق الفرصة لبناء القدرات والمهارات، وتعزيز التعاون البحثي بين البلدين، ونقل الابتكار والمعارف والخبرات.
نتناول فيما يلي ثلاث قصص ملهمة لنساء تمكن من اتباع شغفهن العلمي وتحقيق طموحهن الأكاديمي وقيادة التغيير لتنمية المجتمع من خلال صندوق نيوتن-مشرفة. لتكون تلك النماذج بمثابة نبراس ينير الطريق لمستقبل أفضل للنساء في مجالات البحث العلمي والابتكار.
تحقيق طموحهن العلمي والأكاديمي
مكافحة الأمراض المنقولة بالغذاء هو الهدف الذي تسعى إليه نهلة منصور -الأستاذة بالمركز القومي للبحوث بمصر- وذلك من خلال شراكة بحثية مع جامعة نوتنغهام بالمملكة المتحدة. حيث يستهدف المشروع البحثي إيجاد علاج لتقليل خطر الإصابة بالتهاب الأمعاء البكتيري الذي ينتقل عبر تناول الدواجن واللحوم.
"الحصول على تمويل بحثي من صندوق نيوتن-مشرفة كان بمثابة طوق النجاة بالنسبة لي لتحقيق هدف كبير في مرحلة مهمة من مساري المهني البحثي. فاختيار مشروعي البحثي من قبل الصندوق جعلني فخورة كباحثة وأعطاني دفعة قوية لمجابهة التحديات التي تواجهني." كما توضح منصور.
وتؤكد منصور أن صندوق نيوتن-مشرفة قد دعم زميلاتها في تحقيق طموحهن العلمي والأكاديمي. حيث تمكنت بمعاونة فريقها البحثي المصري الذي يضم أربع باحثات أخريات من نشر ورقة بحثية بإحدى الدوريات العلمية المحكمة المرموقة في مجال الأحياء الدقيقة وعلم المناعة.
لم تقتصر إنجازات هذا المشروع على الجانب العلمي فحسب، إذ امتدت لبناء جسور التواصل بين البحث العلمي والصناعة. وذلك من خلال إقامة ورشة عمل تجمع بين الباحثين الأكاديميين وأرباب الصناعة لعرض نتائج المشروع وتقديمها كحلول يمكن تطبيقها على أرض الواقع. الأمر الذي يعزز من التواصل العلمي بين الباحثين وكافة فئات المجتمع، ويخلق فرص جديدة للتشبيك مع عالم الصناعة والأعمال.
قيادة التغيير نحو أهداف التنمية المستدامة
في عالم يعاني بالفعل من أزمات الطاقة والمياه، هناك حاجة ماسة للإبداع العلمي لتقديم حلول غير تقليدية بتلك المجالات. طاقة نظيفة ومياه عذبة بالوقت ذاته، هذا ما يعد به المشروع البحثي الذي تقوده منى جمال الدين -الأستاذة بالجامعة المصرية اليابانية للعلوم والتكنولوجيا- بشراكة جامعة كرانفيلد بالمملكة المتحدة.
تسعى جمال الدين عبر أبحاثها إلى قيادة التغيير لتحقيق عدد من أهداف التنمية المستدامة. وذلك من خلال توفير حل متكامل يتضمن استخدام الحرارة الناجمة عن محطات توليد الكهرباء التقليدية في تحلية المياه بمساعدة الطاقة الشمسية. الأمر الذي يعني الحصول على طاقة نظيفة ومياه عذبة بتكلفة منخفضة، مع الحفاظ على البيئة ومجابهة التغير المناخي أيضا.
توضح جمال الدين دور التمويل البحثي في بلوغ ذلك قائلة: "صندوق نيوتن-مشرفة وفر لي الفرصة والإمكانيات اللازمة للإبداع نحو تحقيق التنمية المستدامة وخدمة المجتمع. بصفتي الباحثة الرئيسية للمشروع، أكون المسئولة عن الإدارة والتواصل مع الأطراف المعنية وقيادة فريق المشروع."
لا يتوقف الأمر على أهداف التنمية المستدامة فحسب. إذ تؤكد جمال الدين أن أبحاثها تستهدف التنمية الاقتصادية والاجتماعية للمجتمعات المحلية في مصر أيضا. حيث أن الحلول البحثية التي يطرحها المشروع يمكنها المساهمة في تحقيق رؤية مصر 2030 للتنمية، خاصة في مجالات الطاقة والاقتصاد والتنمية العمرانية.
بناء قدراتهن في إدارة التراث الثقافي
خارج جدران المعامل وبين رمال الصحراء، تقود جوان رولاند -المحاضرة في علم الآثار بجامعة إدنبرة بالمملكة المتحدة- فريقا من الباحثات والباحثين لإماطة اللثام عن جزء منسي من تاريخ مصر. حيث يهدف المشروع البحثي المشترك بين جامعة إدنبرة والجامعة الأهلية الفرنسية في مصر إلى إعادة اكتشاف عصور ما قبل التاريخ والتاريخ المبكر في مصر، بجانب بناء القدرات في مجال إدارة التراث الثقافي المتعلق بتلك الفترة المنسية.
المشروع الممول من قبل صندوق نيوتن-مشرفة ساهم في تمكين المرأة في ذلك المجال الذي كان يعد حكرا على الرجال إلى وقت قريب. توضح ذلك رولاند: "من خلال مشروعنا تم تمكين النساء كأعضاء على قدم المساواة كمدربات ومتدربات في هذا المجال. فمشاركة النساء من جميع الأعمار ومختلف المراحل المهنية أفادت الجميع، وذلك من خلال تقديمهن لآراء وخبرات متنوعة، والتي سيستمرون في تقديمها بمجالات البحث وإدارة التراث في مصر."
تؤكد رولاند أن بناء القدرات هو أحد الأركان الأساسية لهذا المشروع بجانب الشق البحثي. فقد قام المشروع بتوفير برنامج للتدريب الميداني للعاملات والعاملين بوزارة الآثار المصرية في ربيع عام 2019، حيث تم تدريب 30 شخصا على أحدث الطرق في استكشاف وحماية المواقع الأثرية التي تنتمي لعصور ما قبل التاريخ والتاريخ المبكر. وتأمل رولاند في أن تنتقل تلك المعارف والخبرات من المتدربين إلى أقرانهم لتطوير إدارة التراث الثقافي في مصر.